(*) حقوق الملكية الفكرية لتعبير “دستور دُبِّر بليل” لصديقي شريف نعمان
انتهت الجمعية التأسيسية من التصويت على مشروع الدستور قرب السابعة صباحًا بعد جلسة “تاريخية” امتدت لما يقارب 18 ساعة تحملها بمثابرة مذهلة رجال ونساء يتعدى عمر كثيرين منهم السبعين عامًا، ووصلوا إلى خط نهاية “السباق” قبل صدور حكم المحكمة الدستورية العليا “المتوقع” بحل الجمعية التأسيسية، فهنيئًا لمصر هذه الهمة العالية وروح العمل الجماعي المفاجئة التي لا تظهر إلا في الحروب!
بمنتهى الأمانة كنت أتمنى أن أحتفل اليوم مع المحتفلين بصدور المشروع النهائي لدستور مصر بعد الثورة وطرحه للاستفتاء فذلك في حد ذاته حدث تاريخي بعد عقود قضيناها تحت حكم دساتير عبثت بها السلطة الحاكمة وفصّلت بعض موادها لتقنين الاستبداد، لكن يمنعني من الاحتفال ويقف بيني وبين قبول هذا الدستور عدة أسباب بعضها مبدئي والآخر موضوعي، علمًا بأن معظم مواده جيدة وبعضها ممتازة، ولكن لا يمكن قبوله إجمالًا بما فيه من عيوب فذلك أشبه بتناول طعام شهي به نسبة محدودة من السم!
الأسباب المبدئية:
1. بحسب الإعلان الدستوري الأخير زادت المهلة المعطاة للجمعية التأسيسية شهرين لتنتهي في 12 فبراير 2013، وبدا واضحًا خلال جلسة التصويت المذاعة على الهواء وجود مواد كثيرة تحتاج لمزيد من المناقشة والتنقيح وطلب أعضاء كثيرون الكلمة لتوضيح نقاط هامة في بعض المواد ولكن رئيس الجمعية المستشار الغرياني رفض وأصر على التصويت على المواد دون مناقشة وكرر كثيرًا عبارات “معندناش وقت” – “عديها وخلاص” – “مفيش مناقشة”! لماذا لا تسمح بالمناقشة أيها القاضي الجليل؟ وكيف تسمح بأن تمر مادة دستورية (كده وخلاص)؟ وكيف لا يوجد وقت ومازال لديك أكثر من شهرين؟ بل أنك لم تكمل حتى المهلة الأصلية وقدرها ستة أشهر؟ أعرف الإجابة بالطبع وإن كنت في حالة صدمة منها، اللجنة ورئيسها (قاضي قضاة مصر رئيس محكمة النقض ورئيس مجلس القضاء الأعلى) يخافون من حكم “محتمل” تصدره المحكمة الدستورية العليا بحل الجمعية التأسيسية ويريدون الانتهاء من عملهم وانقضاء الجمعية قبل صدور الحكم! أليس ذلك تسييسًا لعمل الجمعية وتسييسًا للقضاء؟ كيف يقبل قاضي قضاة مصر بالتورط في السياسة؟ هل كان سيعقد جلسة مدتها 18 ساعة وتمتد إلى السابعة صباح اليوم التالي لو لم يكن يريد أن يستبق حكم المحكمة؟
مثال 2: مادة 139 صوت عليها 16 عضو بالرفض وعندما قال الغرياني أنه سيضطر لتأجيل التصويت عليها 48 ساعة إذا لم تُقبل وطلب التصويت مرة أخرى فرفضها 4 فقط، هل اقتنع الأعضاء الـ12 الآخرون بالمادة فجأة أم مرروا مادة مرفوضة خوفًا من التأجيل؟ |
مثال 1: مادة 38 وردت في المسودة النهائية ناقصة جملة مهمة ولم يتنبه لها أحد من الأعضاء بما فيهم المستشار الغرياني ورئيس لجنة الصياغة وكادت تمر ويتم إقرارها ناقصة بسبب التعجل حتى نبههم د. محمد محيي الدين من حزب غد الثورة |
2. الجمعية التأسيسية ذاتها باطلة قانونًا حسب حيثيات الحكم بحل الجمعية السابقة لها والمتعلقة بعدم جواز مشاركة أعضاء برلمانيين فيها حيث أنه لا يجوز للبرلمان انتخاب نفسه، وبما أن معظم أعضاء الجمعية الثانية برلمانيين أيضًا (في تحد غريب لحكم المحكمة أو غباء سياسي غير مسبوق) فالمنطقي أن ينطبق عليها الحكم السابق.
3. الجمعية التأسيسية في وضعها الأخير الذي تم عليه التصويت لا تمثلني ولا تمثل قطاعًا ضخمًا من المصريين فمن كانوا يمثلونني في الجمعية انسحبوا منها اعتراضًا على دكتاتورية الأغلبية وعدم رغبتها في الوصول إلى توافق وإصرارها على إقصاء من يخالفها في وجهات النظر، والمقصود بـ”من يمثلني” هنا ليس القوى المدنية فقط وإنما أيضًا شخصيات غير حزبية تحسب على “الإسلاميين” مع تحفظي على التصنيف بوجه عام، مثل اللجنة الاستشارية لمراجعة مسودة الدستور التي ضمت المفكر الإسلامي والفقيه الدستوري د. أحمد كمال أبو المجد وأساتذة العلوم السياسية د. هبة رؤوف عزت و د. محمد السعيد إدريس و د. صلاح عز وغيرهم من الكفاءات، وقد تم تجاهل هذه اللجنة والإصرار على “إخراج الدستور في أقرب وقت مهما كان منقوصًا” حسب بيان اللجنة عند انسحابها.
4. تشكيل الجمعية بنظام “المحاصصة” كان سببًا في عدم التوافق، أصرت الأغلبية على الحصول على نسبة من المقاعد توازي نسبة تمثيلها في البرلمان بصرف النظر عن الكفاءة، فالأولى أن تضم الجمعية صفوة عقول مصر بجانب صفوة خبراء الدستور بغض النظر عن انتماءهم السياسي فلا مجال للسياسة في الدستور، ثم زادت الاستقطاب بتقسيم المقاعد بين ما أسمته “القوى الإسلامية” و”القوى المدنية”، ثم زاد العبث بأن احتسبت ضمن القوى المدنية ممثلي القوات المسلحة (هل يوجد جيش مدني؟) والأزهر الشريف وأحزاب إسلامية التوجه يمثلها أعضاء سابقون في جماعة الإخوان مثل الوسط والحضارة!
5. بعض أعضاء اللجنة من التيار السلفي تعمدوا عدم الوقوف للسلام الجمهوري في كل الجلسات، كما أن بعضهم أقر أكثر من مرة أنه لا يعترف بالديمقراطية ويراها حرامًا، كيف يكتب دستور مصر من لا يعترف بنظام الدولة ولا يحترم سلامها الجمهوري؟
6. الظروف التي يطرح فيها الدستور للاستفتاء تحمل ابتزازًا واضحًا لمعارضي الرئيس (49% من الشعب) فإما الموافقة على الدستور أو الإبقاء على الإعلان الدستوري الذي يعطي كل السلطات لرئيس الجمهورية ويحصن قراراته ضد الطعن، إضافة إلى الحشد الهائل للمؤيدين في مواجهة حشد المعارضين مما يهدد باقتتال داخلي، الدساتير لا تمرر بالابتزاز أو القوة الجبرية ولكن بالتوافق والتراضي.
الأسباب الموضوعية:
- مواد تجاهلها الدستور
- ألغى الدستور الجديد منصب نائب رئيس الجمهورية الذي كان من مطالب الثورة أن يتم انتخابه مع الرئيس في ورقة واحدة وتكليفه ببعض مهام الرئيس.
- لا يوجد ذكر لكلمة “السياحة” في دستور مصر التي يعتمد دخلها القومي بشكل أساسي على السياحة.
- لا يحظر الدستور الحبس في قضايا النشر
- أسقط الدستور الإشراف القضائي على الانتخابات البرلمانية والرئاسية، فمن سيشرف على هذه الانتخابات وكيف نضمن نزاهتها في ظل حالة الاستقطاب الشديدة بين المواطنين وعدم الثقة في الشرطة؟
- تم حذف مادة ميزانية رئاسة الجمهورية ونصها “تدرج جميع نفقات رئاسة الجمهورية والأجهزة التابعة لها ضمن الميزانية العامة للدولة وتخضع لرقابة الجهاز المركزى للمحاسبات“، فكيف نعرف نفقات رئاسة الجمهورية ومن يراقبها؟
- مادة 10: الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية. وتحرص الدولة والمجتمع على الالتزام بالطابع الأصيل للأسرة المصرية، وعلى تماسكها واستقرارها، وترسيخ قيمها الأخلاقية وحمايتها؛ وذلك على النحو الذى ينظمه القانون.
- كيف سينظم القانون حماية المجتمع للقيم الأخلاقية؟ هل يمكن بناء على هذا النص قيام هيئات “حسبة” أو رقابة شعبية على سلوك المواطنين بقوة القانون؟ هل ستنتقص هذه المادة من الحريات الشخصية؟
- مادة 12: تحمى الدولة المقومات الثقافية والحضارية واللغوية للمجتمع، وتعمل على تعريب التعليم والعلوم والمعارف.
- تعريب العلوم والتعليم كارثة ستؤدي لعزل الأطباء والصيادلة والمهندسين والكيميائيين وكل من يريد متابعة التطور العلمي عن العالم وتخفض مستوى تنافسية المهنيين المصريين بين أقرانهم من الدول الأخرى كما حدث في سوريا على سبيل المثال.
- مادة 14: … ويجب ربط الأجر بالإنتاج، .. إلى آخر المادة
- مادة تهدر حقوق العاملين بشكل مجحف، ماذا لو أراد صاحب العمل تثبيت حجم الإنتاج لمدة 10 سنوات؟ تظل الأجور ثابتة لمدة 10 سنوات في حين تستمر زيادة الأسعار؟ ماذا لو قل الإنتاج لظروف خارجة عن إرادة العاملين؟ تقل أجورهم؟ الأجر يجب ربطه بمؤشرات الاقتصاد من تضخم وأسعار وتكلفة المتطلبات الأساسية للحياة، ثم وماذا عن القطاعات غير المنتجة أو غير الهادفة للربح (المصالح الحكومية مثلًا)؟ كيف يربط أجر العاملين بالإنتاج في مصلحة السجل المدني أو القوات المسلحة؟
- مادة 35: فيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد ولا تفتيشه ولا حبسه ولا منعه من التنقل ولا تقييد حريته بأى قيد إلا بأمر قضائى مسبب يستلزمه التحقيق. ويجب أن يبلغ كل من تقيد حريته بأسباب ذلك كتابة خلال اثنتى عشرة ساعة .. إلى آخر المادة
- لماذا يعطي الدستور للشرطة 12 ساعة مهلة قبل إبلاغ المحتجز بسبب احتجازه خصوصًا في ظل ما هو معروف من
- تجاوزات الشرطة؟ لماذا لا تبلغه على الفور ما دام الاحتجاز قانونيًا؟
- مادة 49: حرية إصدار الصحف وتملكها، بجميع أنواعها، مكفولة بمجرد الإخطار لكل شخص مصرى طبيعى أو اعتبارى. وينظم القانون إنشاء محطات البث الإذاعى والتليفزيونى ووسائط الإعلام الرقمى وغيرها.
- ماهو تعريف “وسائط الإعلام الرقمي”؟ هل يشمل ذلك المواقع الإلكترونية والمدونات وشبكات التواصل الاجتماعي (facebook – twitter – …)؟ هل سيخضع الإنترنت لرقابة الحكومة؟
- مادة 52: حرية إنشاء النقابات والاتحادات والتعاونيات مكفولة. وتكون لها الشخصية الاعتبارية، وتقوم على أساس ديمقراطى، وتمارس نشاطها بحرية، وتشارك فى خدمة المجتمع وفى رفع مستوى الكفاءة بين أعضائها والدفاع عن حقوقهم. ولا يجوز للسلطات حلها أو حل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائى.
- هل يوجد دستور في العالم يسمح بحل نقابة مهنية؟ ما ذنب أعضاء النقابة إذا أخطأ مجلس إدارتها؟ مثلا إذا ارتكب مجلس إدارة نقابة المهندسين جريمة أيا كانت كبيرة فهل المنطقي أن يحل مجلس إدارة النقابة أم تحل النقابة نفسها التي تضم نصف مليون مهندس؟ هل هذا مدخل لحل نقابات على غير هوى جماعات معينة؟
- مادة 62: الرعاية الصحية حق لكل مواطن، تخصص له الدولة نسبة كافية من الناتج القومى. وتلتزم الدولة بتوفير خدمات الرعاية الصحية، والتأمين الصحى وفق نظام عادل عالى الجودة، ويكون ذلك بالمجان لغير القادرين. .. إلى آخر المادة
- ما هو معيار تحديد “غير القادرين”؟ هل ستطالبنا المستشفيات بإثبات أننا غير قادرين؟ هل يهد الدستور كرامة المواطن ويضطره لاستخراج “شهادة فقر”؟ وماذا يفعل المواطن إذا كان غير قادر فعلًا ولكنه لا يستطيع إثبات ذلك للدولة؟
- مادة 64: العمل حق وواجب وشرف لكل مواطن، تكفله الدولة على أساس مبادئ المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص. ولا يجوز فرض أى عمل جبرًا إلا بمقتضى قانون. إلى آخر المادة.
- كيف يبيح الدستور العمل الجبري حتى لو بالقانون؟ هذه المادة تنافي حقوق الإنسان، لا عمل بدون أجر إلا العمل التطوعي وليس الجبري، المادة تتيح للبرلمان سن قانون للسخرة.
- مادة 70: ويحظر تشغيل الطفل، قبل تجاوزه سن الإلزام التعليمى، فى أعمال لا تناسب عمره، أو تمنع استمراره فى التعليم.
- أي أن عمالة الأطفال تحت 12 سنة الآن قانونية بنص الدستور ما دامت في أعمال تناسب عمره ولا تمنع استمراره في التعليم (شروط مطاطية يمكن التحايل عليها بسهولة) وهي سابقة خطيرة ستؤدي لتسرب الأطفال من التعليم من أجل العمل خصوصًا في المناطق الأكثر فقرًا والتي كانت أولى بحماية الدولة لأطفالها والتركيز على تعليمهم.
- مادة 76: العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بنص دستوري أو قانوني، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون.
- كيف تكون هناك جريمة وعقوبة بنص دستوري والدستور مجموعة مبادئ لا تحدد جرائم ولا عقوبات بل يحددها القانون؟ ولماذا أصر د. ياسر برهامي ومجموعة السلفيين على هذه الصياغة المخالفة للمنطق والتي اعترض عليها بشدة د. محمد سليم العوا و د. معتز عبد الفتاح والأستاذ عصام سلطان وغيرهم؟ هل يمكن استخدام هذه المادة لاستنباط أحكام جرائم وعقوبات من مادة الشريعة الإسلامية في الدستور مباشرة دون الحاجة لقوانين وبالتالي دون المرور على البرلمان؟
- مادة 81: الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلا ولا انتقاصا. ولا يجوز لأى قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها. وتُمارس الحقوق والحريات بما لا يتعارض مع المقومات الواردة فى باب الدولة والمجتمع بهذا الدستور.
- الشرط الأخير “بما لا يتعارض مع المقومات الواردة فى باب الدولة والمجتمع” شرط مطاط لأنه يتعلق بمفاهيم مبهمة ضمها باب الدولة والمجتمع ولا يوجد لها تعريف محدد مثل “الأمن القومي” – “الطابع الأصيل للأسرة المصرية” – “النظام العام” وغيرها، من المفترض أن يكفل الدستور الحريات لكل المواطنين تحت كل الظروف، لكن هذه المادة يمكن استغلالها وتفسيرها لتمرير قوانين تقيد الكثير من الحريات في حالة وصول تيار معين (سلفون مثلا) للأغلبية البرلمانية.
- مادة 82: تتكون السلطة التشريعية من مجلس النواب ومجلس الشورى. ويمارس كل منهما سلطاته على النحو المبين فى الدستور.
- ما الفائدة من استمرار وجود مجلس الشورى خصوصًا أن 7% فقط من الناخبين شاركوا في انتخاباته الأخيرة بما يعني عدم رغبة الشعب في وجوده؟ كما أنه ليس له دور حقيقي بل سيؤدي وجوده لتعطيل صدور القوانين لاشتراط موافقته على القوانين التي يقرها مجلس النواب (مادة 102 و103)، ويمكن الاستغناء عنه والاكتفاء بمجلس النواب وتوفير الأموال المخصصة لميزانيته وانتخاباته ومكافآت أعضائه.
- مادة 150: لرئيس الجمهورية أن يدعو الناخبين للاستفتاء فى المسائل المهمة التى تتصل بمصالح الدولة العليا ،
ونتيجة الاستفتاء ملزمة لجميع سلطات.على انه اذا اشتملت دعوة الناخبين للاستفتاء على عدة موضوعات مختلفة فيجب إن يكون التصويت على كل منها على حده. - مادة شديدة الخطورة إذا ما وضعنا في الاعتبار إمكانية وصول أشخاص مختلفي التوجهات إلى مقعد الرئاسة في يوم ما، هذه المادة تتيح لرئيس الجمهورية القفز على كل مؤسسات الدولة (قضاء – جيش – برلمان – ..)، ماذا لو تولى السلطة رئيس ناصري واستفتى الشعب على تأميم ممتلكات الأغنياء؟ ماذا لو قرر رئيس أن يرسل الجيش للحرب دون موافقة قيادات القوات المسلحة ودعا الشعب للاستفتاء؟ لا تحكم على هذه المادة بانطباعك عن الرئيس الحالي فقد يأتي رئيس من اتجاه معاكس.
- مادة 156: يشترط فيمن يعين رئيسا لمجلس الوزراء أو عضوا بالحكومة، أن يكون مصريًا، متمتعا بحقوقه المدنية والسياسية، بالغا من العمر ثلاثين سنة على الأقل، وألا يكون قد حمل جنسية دولة أخرى ولم يتنازل عنها خلال عام من بلوغه سن الثامنة عشر .. إلى آخر المادة.
- دستور مصر يسمح بوجود وزراء ورئيس وزراء من أبوين غير مصريين (إسرائيليين مثلًا) ومتزوج من غير مصرية !!!
- مادة 176: تشكل المحكمة الدستورية العليا من رئيس وعشر أعضاء، ويبين القانون الجهات والهيئات القضائية أو غيرها التى ترشحهم، وطريقة تعيينهم، والشروط الواجب توافرها فيهم ، ويصدر بتعيينهم قراراً من رئيس الجمهورية.
- يؤسفني أن ينجر واضعو دستور مصر للانتقام من المحكمة الدستورية العليا (لسابق الخصومة معها) ويقلص عدد أعضاءها من 19 إلى 11 بدون سبب مفهوم (إلا إذا كان إقصاء المستشارة تهاني الجبالي تحديدًا والتي تقع في ترتيب الأقدمية رقم 12)!
- مادة 198: القضاء العسكرى جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل فى كافة الجرائم المتعلقة بالقوات المسلحة وضباطها وأفرادها. ولا يجوز محاكمة مدنى أمام القضاء العسكرى إلا فى الجرائم التى تضر بالقوات المسلحة؛ ويحدد القانون تلك الجرائم، ويبين اختصاصات القضاء العسكرى الأخرى. وأعضاء القضاء العسكرى مستقلون، غير قابلين للعزل، ويكون لهم كافة الضمانات والحقوق والواجبات المقررة لأعضاء الجهات القضائية.
- كان يجب حظر محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري كأحد أهم المطالب أثناء العهد السابق وأثناء فترة الحكم العسكري، من حق المواطن أن يحاكم أمام قاضيه الطبيعي ويقصر اختصاص القضاء العسكري على العسكريين وفي القضايا المتعلقة بالقوات المسلحة فقط وليس على الإطلاق (لماذا يختص القضاء العسكري مثلا بقضية شيك بدون رصيد حرره ضابط لمعرض سيارات؟)، عبارة “الجرائم التي تضر بالقوات المسلحة” مطاطة جدًا، ماذا لو تشاجرت مع ضابط جيش صدم سيارتي؟ ألا يمكن اعتبار أني تسببت بضرر للقوات المسلحة (على الأقل بتعطيل الضابط عن الذهاب لوحدته) وأجد نفسي محال لمحاكمة عسكرية؟
- مادة 202: يعين رئيس الجمهورية رؤساء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية بعد موافقة مجلس الشورى، وذلك لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة. ولا يعزلون إلا بموافقة أغلبية أعضاء المجلس، ويُحظر عليهم ما يحظر على الوزراء.
- مزيد من السلطات في يد رئيس الجمهورية، وكيف تكون الهيئات “مستقلة” و”رقابية” ورئيسها معين من رئيس الجمهورية؟ لماذا لا يترك الاختيار للبرلمان أو توضع آلية ثابتة للاختيار تضمن عدم هيمنة الرئيس على الهيئات التي من المفترض أن تراقبه وتراقب أداء حكومته؟
- مادة 219: مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة.
- على عكس ما تعتقد الأغلبية فقد ضيقت هذه المادة على تطبيق الشريعة بعكس المادة الثانية التي فسرتها المحكمة الدستورية في حكم شهير تفسيرًا أشمل من هذا النص، هل أراد واضعو الدستور تقييد الشريعة أم تطبيقها؟ أم تم خداع التيار السلفي لحشد أنصاره لتأييد الدستور ظنًا منهم أنه انتصر لتطبيق الشريعة؟
- مادة 229: … ويمثل العمال والفلاحون فى هذا المجلس بنسبة لا تقل عن خمسين بالمائة من عدد أعضائه. ويقصد بالعامل كل من يعمل لدى الغير مقابل أجر أو مرتب .. إلى آخر المادة
- لا تعليق عندي على هذه المادة الهزلية إلا أن شخصية مثل أ.د. عمرو حمزاوي مثلًا يمكنه الترشح للبرلمان على مقعد العمال لأنه يعمل لدى الغير مقابل مرتب (!) بينما لا يستطيع عم صلاح الميكانيكي الترشح على نفس المقعد لأنه لا يعمل لدى الغير!
- ملحوظة: ظهرت هذه المادة فجأة في المسودة النهائية وتمت صياغتها في الليلة السابقة للتصويت أي أنها لم تحظ بالـ300 ساعة من المناقشة (!) التي تحدث عنها المستشار الغرياني مثل باقي المواد.
- مادة 231: تكون الانتخابات التشريعية التالية لإقرار الدستور بواقع ثلثي المقاعد لنظام القائمة، والثلث للنظام الفردي، ويحق للأحزاب والمستقلين الترشح فى كل منهما.
- نفس النظام الذي حكمت المحكمة الدستورية ببطلانه وحلت بسببه مجلس الشعب ! إصرار واضح على الانتقام وتسييس الدستور والإصرار على الخطأ رغم أن تصحيحه سهل جدًا بتخصيص القوائم للأحزاب والفردي للمستقلين !!
- مادة 232: تمنع قيادات الحزب الوطنى المنحل من ممارسة العمل السياسي والترشح للانتخابات الرئاسية والتشريعية لمدة عشر سنوات من تاريخ العمل بالدستور. ويقصد بالقيادات كل من كان في 25 يناير سنة 2011 عضوا بالأمانة العامة للحزب أو بلجنة السياسات أو بالمكتب السياسي أو كان عضوا بمجلس الشعب أو الشورى فى الفصلين التشريعيين السابقين على ثورة الخامس والعشرين من يناير.
- مادة تفوح منها رائحة كريهة ! مادة انتقامية إقصائية، حزب الأغلبية يقصي منافسيه من الساحة بنص دستوري ويستثني شخصًا بعينه (شيخ الأزهر) في تعديل أخير لتتفادى انسحاب ممثله من اللجنة، مادة تحرم الشعب من حرية الاختيار (ألم ينتخب الكثيرون نوابًا سابقين من الحزب الوطني في الانتخابات الأخيرة؟) وتتجاهل في الوقت نفسه أن جماعة الإخوان نفسها شاركت بنصيب كبير في إفساد الحياة السياسية قبل 25 يناير بلعبها لدور المعارضة الأليفة التي تكمل “ديكور الديمقراطية” وتنسق مع الحزب الوطني قبل الترشح عن الدوائر البرلمانية!
- ملحوظة: ظهرت هذه المادة أيضًا فجأة في المسودة النهائية وتمت صياغتها في الليلة السابقة للتصويت أي أنها لم تحظ بالـ300 ساعة من المناقشة (!) التي تحدث عنها المستشار الغرياني مثل باقي المواد.
- ملحوظة: ورد في أكثر من موضع نص القسم الدستوري “أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصًا على النظام الجمهورى، وأن أحترم الدستور والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، وأن أحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه” ووافق عليه السلفيون بالإجماع رغم أنهم أصروا على إضافة “بما لا يخالف شرع الله” عندما أقسموا في أول جلسة لمجلسي الشعب والشورى، فهل جد جديد لا نعرفه في “شرع الله” أم تراجعوا هم عن دينهم؟
هذا ما استطعت إحصاءه من الملاحظات في حدود معلوماتي القانونية المحدودة وسأحاول تحديث التدوينة كلما ظهرت ملحوظة جديدة، أُشهد الله أني بذلت ما في وسعي لدراسة مشروع الدستور بأمانة لا لهدف سياسي أو شخصي ولكن للشعور بالمسئولية تجاه هذا الوطن الذي ما زلت أتمنى أن يعيش فيه أبنائي.
“ولَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ”
تحديث: تم نشر المقال في موقع “بيت الحوار“