![43293810. sx318](https://i.gr-assets.com/images/S/compressed.photo.goodreads.com/books/1587886494l/43293810._SX318_.jpg)
إلى تلك السنوات الضبابية الغائمة التي لا أذكر ما كنت أفعل فيها
إلى السنوات الجرداء الخالية من الذكريات وكأنها لم تكن
إلى السنوات التي لم تضف إليّ إلا بعض الشيب والكثير من الدهون
تم توقيع عقد نشر روايتي الثانية “سنوات الثقب الأسود“، تصدر قريبًا عن مؤسسة هنداوي في لندن وستكون متوفرة إلكترونيًا وورقيًا
لوحة الغلاف للفنانة رنا حمدان
مقاطع من الرواية
لم يدرك أي من الرجلين كم مر عليهما من الوقت ساكنين، متواجهين محدقين في وجه أحدهما الآخر، كانا خارج المكان والزمان معًا، يجاهد كل منهما لكي يستوعب الأمر، كان كل منهما يقف أمام نفسه، كان كلاهما ياسين عمران ذاته، كان كل منهما ينظر إلى نفسه في هيئة رجل آخر، يمكن لكل شخص بالقطع أن يتعرف على صورته عندما يراها في مرآة، لا يمكن لأحد أن يخطئ نفسه، لذلك كان كل منهما على يقين كامل بأنه ينظر إلى نفسه، لا إلى شبيه له أو توأم أو مستنسخ، بل إلى نفسه بذاتها، وكان ذلك ما تركهما ذاهلين كأنما يحدقان في ملك الموت
*******
ظلت تسحب جذورها من الأرض، ظلت تغادر أرضها بالتدريج وهي لم تزل واقفة في مكانها، ظلت تسلخ عنها تلك الرمال التي لم تعد وطنها ولم تعد فيها رائحة رفات أسلافها بعد أن دنستها تلك البقايا الرمادية اللعينة، وبعد أن عبثتبها أيدي البشر ووحوشهم ميتة القلوب، ظلت تسعى جاهدة نحو الموت، ربما تجد عنده حياتها المفقودة
*******
منذ الأسبوع الأول له في هذه المدينة عرف أن سبعة آلاف سنة من الحضارة لن تغني عنه شيئًا، وأن كل مخزونه من أغاني الفخر الوطني عن “أول نور في الدنيا شق ظلام الليل” وعن “ولا شاف النيل في أحضان الشجر ولا سمع مواويل في ليالي القمر” لن تغير قيد أنملة من حقيقة أنه هنا مجرد مهاجر شرق أوسطي آخر، لا مجال هنا للتفاخر ببطولات أجدادنا في قادش وحطين وعين جالوت وقونية، ولا بما فعله بواسلنا بالسفينتين بيت شيفع وبات يم على رصيف ميناء إيلات الحربي، هذه بلاد باردة لم تسهر أمام أفلام القناة الأولى في ذكرى ثورة يوليو، ولم تنصت لأغنيات مطرباتنا الشهيرات في حفلات أضواء المدينة، هذه بلاد باردة لم ترقص في الشوارع ابتهاجًا بالفوز على الكاميرون في بطولة أفريقية، أو تحية لزعيم خالد يطوف الشوارع بصحبة زعيم شقيق – خالد كذلك – ملوحين بكفيهما للحشود المصطفة على الجانبين من المقعد الخلفي لسيارة أمريكية مكشوفة، هذه بلاد باردة بلا تاريخ، أقدم شيء هنا لا يتعدى عمره المائة عام، وكل شيء هنا يبدأ من الصفر، بدءًا بدرجة الحرارة على مقياس فهرنهايت وحتى التراث والرياضة والفنون والعادات والتقاليد، عليك أن تخلع ثقافتك وماضيك وذاكرتك على بوابة القادمين في مطارها الدولي كما تخلع نعليك عند الوادي المقدس، فهنا ستقابل إله الحضارة الغربية، وعلى هذه الأرض الموعودة سينعم عليك بحياة جديدة منزوعة الدسم وخالية من السكريات والدهون، حياة غربية على طراز العالم المتحضر تنسيك ما عرفته من حياة بائسة في ذلك الجانب المظلم من العالم الذي أتيت منه، ذلك الجانب الغامض المبهم من الكرة الأرضية حيث ما زال البدائيون يمتطون ظهور البعير ويتعاطون الخرافات ويقضون نهاراتهم في مطاردة قطعان الأغنام الشاردة وسط كثبان رمال الصحاري