من كتاب “سر المعبد” للأستاذ ثروت الخرباوي:
يقول الأستاذ “أبو غالي”:
جاء لي خطاب تلميذة نجيبة من تلاميذي تعودت كل حين أن ترسل لي خواطرها الدينية، هي تُشخّص حالة الحركة الاسلامية وأظنها تقصد جماعة مثل جماعة الاخوان وتستخدم تعبير “الحَقْن” أي المداواة بالدواء الذي يُحقن به المريض في موضع متعلق بقائد الجماعة أو شيخها أو عالمها وطريقته مع أتباعه، وانشداه أتباعه له لدرجة أنهم يعتبرونه قديسًا ملهمًا وكأنه الإسلام نفسه، وما انشدهوا لمرشدهم أو شيخهم إلا لأنه حقنهم بما يريد فأصبح هو حاقنًا و أصبحوا هم محقونين.
“أفكر كثيرًا يا أستاذي العزيز فيما كان الناس عليه قبل أن يتحول الجميع إلى مسوخ، ومن الذي كان عالمًا بأفكارهم و توجهاتهم حتى استطاع أن يبعث بأصل تكوينهم عبر الزمن، لا أشك أبدًا في أن من قام بذلك العمل المشين قد ارتدى بإخلاص ثوب الله، ظن أنه المتحدث بإسمه وأنه يده الباطشة في الأرض.
هل تَعلَّم كُتُبَه ورحماته وعرف منها نقاط ضعف المخلوقين ثم استخدمهم بها؟ تمعن في الوثائق التى تشرح كيف هو، خبأ منها ما يمكن أن يرشده للنور ونشر ما يريد هو، فأظهر الله بوجه لم يكن أبدًا له، ونشر أديانًا ومذاهب لم يخبر عنها، مسخ كل ما يوصل للحق، وحتى يقبل الناس ذلك و يدافعوا عنه كان يجب مسخهم أيضًا.
هذا هو “الحقّاني” صاحب الامر والنهى، زعيم “أهل الحَقن” وهو من يصدر الأحكام المطلقة على الجمهور سواء كانوا من “العامة” أو من “طلبة الحقن”، ولم ينس “الحقانون” أن يضعوا قواعد مشددة لحماية أنفسهم، فكانت القواعد الصارمة والوعيد الشديد لمن انتقدهم أو خاصمهم أو جادلهم للدرجة التى أصبحت تعقد الندوات والمؤتمرات وتطبع الكتب والمجلات في التحذير من المساس بهم، و كأنما نسي هؤلاء أن لهم نبيًا عندما قال: “كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا وَجْهَ نَبِيِّهِمْ” رد عليه ربه: “لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ”، نسوا أن الشخص الصالح في كل تاريخ هو الذي يتحمل أذى الناس وجهلهم ويمسك بأيديهم ويوجههم، لا يتكبر أبدًا أو يشترط طريقة معينة في التعامل معه و”الأدب” في المرور من مملكته و أخذ موعد مع زبانيته لمقابلة قداسته، لم يكن نبي هكذا ولم يكن الله، فمن أنتم ؟؟؟
أما السَدَنة “طلاب الحقن” أو “المتحقينون” فهم الطوّافون بمنازل الحقانين، الناشرون لمناقبهم، المكافَئون بجزء لا بآس به من قداستهم، رفع أهل الحقن عنهم شبهات الخطأ فأصبحوا دائمًا على صواب، وإن زلّت ألسنتهم و أقلامهم بما يخالف مرتبتهم العليا يُغفر لهم، خطؤهم هو الاجتهاد وصوابهم هو الفتح المبين وكلٌ من عند الله.
ولا شك أن طالب الحقن المبتدئ أو “الطويلب” كما يحلو لبعض من سبقوه بأعوام في ذلك الفكر أن يسموه، لاشك أنه يلاقي المقابل ويقبض الثمن فور قيامه بذلك العمل، يبتسم له الجميع، يبادرونه بالتحية، حتى في المعاملات، فإن كان هو التاجر ذهب إليه الناس باعتباره “الصادق الأمين”، وإن كان هو المشترى فقد “حلت علينا البركة” بدخوله إلى أي متجر، وإن أراد أن يأخذ ما يأخذ “من غير فلوس” فسيكون ذلك عن تمام رضا من صاحب الخان فهذه “بركة” حلت عليه وعلى عائلته البعيدة من بعده.
و لكن، لا تنس أن القداسة أيضًا لها ضريبة، يجب أن تتظاهر أمام الجميع وأن يقتنع الجميع أن ترياق القداسة قد أصابك بالفعل وأنك (مثل الحقانين) لم تعد تخطئ أبدًا، و أنك بالرغم من ترديدك لمسائل عن التوبة والاستغفار إلا أنك لم تخطئ يومًا ولم تغفر لأحدهم إن فعل.
علاقة “طالب الحقن” بالله علاقة شائكة لأنه لا ينفرد به مثل “الحقانى” أو يبتعد عنه مثل من لم يمنّ عليهم أحدهم بالانضمام لذلك الفصيل المبارك، هو بين اثنين، لذلك فإنه رغمًا عنه يتحول لاثنين، “عامي عادي” و”حقانى” ينفض عن ثوبه الناصع خوف ما يكون قد مسه من رذاذ هواء لم يعطر بذكر الحقن.
و في الطبقة الدنيا يأتى “العوام”، و”العامي” مصطلح يطلقه حراس الكتب والنظريات الحقانية على كافة البشرية دونهم وطلابهم، وكل ما يصل ذلك الشخص الذي يمثل الأغلبية عن “الله” أنه الغيب الذي لا يمكنك السؤال عنه أو تخيل أي علاقة به، مصدر العقاب والعذاب، كما هو من ترفع يديك له وتقول “يارب” فيجيبك صوت : لن يجيب فاسدًا مثلك.
يبتعد الله عنهم بقدر ما يسمعون من عادات المجتمع أو أحكام الكبار، حتى إذا ما ذُكر الله وجدت زفرات الجميع حولك من العوام تنطق بالألم .. لم يعرف أحد الله !!
ابنتك هدى”
أنهيت القراءة ثم ابتدرته قائلًا : الحقانون وعالم المسوخ والمحقونون، عشنا فعلًا وقلوبنا تتلقى الحقن من الحقانين، وكان الحقانون وسطاء، يملكون الحلال والحرام، بيدهم الحق “والحقن”، لا نراهم على باطل أبدًا، هذا هو حال جماعة الإخوان المسلمين بالحرف الواحد.
ما دام الجسد مهيأً للحقن فإن كل الأفكار قابلة أن تدخل إليه، لذلك كان جهد “حسن البنا” الأكبر هو أن يصنع الجسد القابل للحقن، ولما أصبح الجسد مهيأً حَقَنه بما يريد، و الجسد المهيأ للحقن يظل دائمًا قابلًا لأى حقن مادام الذين يحقنونه هم القادة، هل عرفت لماذا اشترط حسن البنا في أركان البيعة “السمع و الطاعة و الثقة في القيادة”؟ اشترطها ليجعل الجسد على الدوام مستقبلًا للحقن المستمر، هل رأيت في المستشفيات “الكانيولا الوريدية” التى يركبونها على وريد في اليد ليكون الجسد على أهبة الاستعداد لاستقبال أي حقنة؟ هكذا الثقة في القيادة، وكذلك السمع و الطاعة.
ومن وقتها أصبحت وسيلة تسخير الأخ الجديد هي حقنه بمضخة الحَقْن المحقن الذي يحتوى على الثقة في القيادة والسمع والطاعة، حينها يمكن أن تضع في هذا الجسد ما تشاء من أفكار، كن على رأس الإخوان تستطيع أن تجعلهم ليبرالين أو خوارج لو أحببت، لذلك دخل على جسد الإخوان أفكار سيد قطب وأفكار الوهابيين والحنابلة، المهم أن تأتى هذه الأفكار من مركز الحَقْن الرئيسي.