فوجئت بعد بحث سريع دافعه الفضول أن أسماء السلاطين الواردة في الرواية صحيحة وتواريخ جلوسهم على عرش مصر (أو بمعنى أدق لعبة الكراسي الموسيقية التي لعبوها على عرش مصر) هي أيضا صحيحة لدرجة الصدمة، فالسلطان الأشرف قانصوه جلس على “الأريكة السلطانية” لثلاثة أيام فقط، وكل من السلطان الظاهر بلباي والظاهر تمربغا لم تتعدى فترة حكمه الشهرين، هذه الأسماء الفخمة والألقاب السلطانية المبهرة لم تكن إلا تجميلا لوجوه مماليك مرتزقة كل هم الواحد منهم نهب خيرات البلاد واستنزاف أهلها المغلوبين على أمرهم عن طريق المنافسة غير الشريفة والقائمة على المؤامرات والدسائس للوصول إلى الأريكة السلطانية في مقابل البؤس والشقاء والسخرة والطاعون لأهل البلاد، لاحظ مثلا خطة السلطان الظاهر قانصوه لمواجهة إفلاس خزانة الدولة بعد 30 سنة من حروب الأشرف قايتباي ضد العثمانيين في الخارج وضد وباء الطاعون في الداخل، الحل الذي رآه هو ببساطة زيادة كل ما يمكن زيادته من ضرائب والتزام وجزية مقابل تقليل كل ما يمكن تقليله من إنفاق الدولة على الترع والجسور والكتاتيب !!!
ثم لا يكاد يستتب لأحد من أولئك السلاطين الأمر حتى يفاجأ بحاجبه يدخل عليه مذعورا ويخبره بأن أحد منافسيه على الحكم قد جمع العسكر وحاصر القلعة وبالتالي ليس للسلطان بد من التسليم والتوسل لدى السلطان الجديد ليتركه حيا، ثم يتكرر الأمر بعد فترة طالت أو قصرت مع السلطان الجديد فيحاصر أحد المماليك القلعة من جديد ويقفز على العرش، تطبيق عملي شديد البشاعة للمبدأ الذي أرساه السلطان قطز (الحكم لمن غلب) والذي أدخل البلاد في هذه الدوامة من حكم المماليك المتعاقبين لما يقارب 300 سنة.
هل يعيد التاريخ نفسه؟ هل يدخلنا مبدأ “الحكم لمن غلب” في دوامة جديدة من حكم مماليك جدد؟