وقائع وأحداث يرويها من قلب الجماعة ثروت الخرباوي بالأسماء والتواريخ (معظمها أسماء مشهورة وكثير منهم مازال على قيد الحياة وفي مناصب قيادية) مما يكسبها مصداقية كبيرة خاصةً أن أحدًا لم ينفها، لم أتوقف كثيرًا عند الحوادث المتكررة للنذالة ونقض العهود والخيانة والتجسس داخل الجماعة فربما كانت حوادث فردية وربما تدخل في سردها ضغينة شخصية مثلًا.
ولكنني توقفت طويلًا عند مفهوم “جاهلية المجتمع” الذي خرج به علينا سيد قطب عبر فهم غير ناضج لكتابات أبي الأعلى المودودي وكانت هي النظرية الأساسية التي قام عليها فكر التكفير والإرهاب باسم الدين الذي عانينا ومازلنا نعاني وسنظل نعاني منه على الأرجح لسنوات طويلة، ليس في مصر فقط وإنما في العالم كله.
فكر سيد قطب الذي بنى عليه شكري مصطفى جماعة التكفير والهجرة على مبدأ أن المجتمع الذي عاش فيه كافر وأنه المهدي المنتظر الذي سيعيد الإسلام للأرض فقتل الشيخ الذهبي ووافقه كثيرون من الإخوان على رأسهم المرشد مصطفى مشهور.
فكر سيد قطب وشكري مصطفى الذي تبناه “تنظيم العشرات” بقيادة مصطفى مشهور الذي أدخل رجاله القطبيين التكفيريين في مناصب قيادية بالجماعة وفي مقدمتهم على حد قول الخرباوي: خيرت الشاطر ومحمود عزت ومحمد بديع ومحمد مرسي !!
يثبت الكتاب أن الفكر التكفيري أصيل عند الإخوان منذ كتابات حسن البنا، ويثبت أن “النظام الخاص” الذي أنشأه البنا ليحمل السلاح ويقتل الناس ثم ألغاه قد أعاده المرشد مصطفى مشهور دون أن يعلم معظم أفراد الجماعة أنهم أعضاء محتملين فيه، كذلك “قسم الوحدات” المختص بأعضاء الإخوان داخل الجيش المصري، ويعطي بدايات خيوط قد تثبت وجود مؤامرة بين الإخوان والولايات المتحدة وبعض قادة الجيش لتمكين الإخوان من الوصول للسلطة عبر تدبير ثورة 25 يناير.
ويجيب الكتاب كذلك عن سؤال طالما خطر ببالي: هل يعتقد أتباع الجماعات الإسلامية بشكل عام أن بقية أفراد الشعب غير مسلمين أو على أحسن تقدير مسلمين بالاسم والوراثة فقط؟ وجاءت الإجابة للأسف كما كنت أعتقد: نعم !!!
حاولت اختيار بعض الفقرات المهمة من الكتاب لعرضها هنا ولكني وجدتها كثيرة لدرجة لا يمكن اختصارها، الفصول الثلاث الأخيرة هي الأخطر والأكثر أهمية وفيها خلاصة الكتاب، كذلك معظم الفقرات التي يتحدث فيها الأستاذ “أبو غالي” شديدة الأهمية والنضج الفكري لدرجة جعلتني أفكر أنه يجب تجميعها وطبعها في كتيب صغير يدرس لطلبة المدارس كسلاح في مواجهة التكفيريين والظلاميين، لا أعرف لمذا ظل هذا الرجل مجهولًا رغم منطقه القوي وفكره التجديدي وتاريخه في الجماعة، ربما كان هذا هو السبب نفسه.
يستحق الكتاب النجوم الخمسة لما يحتويه من حقائق مهمة ولكني خصمت منه نجمتين، نجمة للتطويل خارج السياق والفقرات الإنشائية رغم أنها مكتوبة بلغة عربية بليغة (وهذه إحدى أهم سمات من تربى في مدرسة الإخوان) وللاستنتاجات غير الواقعية المبنية على كلام مرسل وغير مثبت (وهذه أيضًا إحدى أهم سمات من تربى في مدرسة الإخوان) مثل اليقين بأن الوزراء وأعضاء الحكومة بل وكل قادة العالم من الماسونيين! ونجمة أخرى للمستوى السيء جدًا لطباعة الكتاب (طبعة دار نهضة مصر)، نوعية ورق رديئة وطباعة غير منتظمة، صفحات مفقودة وصفحات مكررة وأخرى نصف ممسوحة، مستوى طباعة يناسب الستينات أو السبعينات رغم ارتفاع سعر الكتاب نسبيًا ورغم أنها الطبعة الخامسة.